WhatsApp +971 54 4460442 / +55 21 965542222
  • Why You Should Book With Us - Sam Travel & Events
لغتي العربية

لغتي هويتي

لغتي العربية

لقد أثّرت العربية في لغات وشعوب كثيرة كالفارسية، التركية، الإسبانية، البرتغالية، الأوردو، الكردية، الإندونيسية، والعبرية، حتى غدت إحدى أهم أعمدة الحضارات الإنسانية، وأهم اللغات السامية وأكثرها انتشاراً، فهي تشكل نحو 40% من أصول مفردات اللغة الإسبانية، وأكثر من 3,000 كلمة في اللغة البرتغالية أصولها عربية، هذا ناهيك عن اللغات الأخرى التي تستخدم الحرف العربي في أكثر من 164 لغة.

يبدو أنَّ جيل اليوم لديه رأياً مخالف، فهو يقدّر الإنجليزية أو الفرنسية بوصفهما رمزَي الرقي والذوق المزعوم، غير أنَّ الحقيقة الماثلة تفصح عن أنها مجرد وسيلة للتباهي والتعالِ، كأنها شارة تُثبت انتمائنا للطبقة المخملية من الثقافة الزائفة. أما العربية، فصارت بالنسبة إليهم «موضة قديمة»، ومن يجرؤ على استخدامها يُعَدُّ متخلفاً لا يساير حضارة الغرب، حتى بات بعض العرب ينظرون إلى تحية «السلام عليكم» بنظرة استغرابٍ وشزَر، وكأنها تحية غريبة عن هذا الزمن، وأن (هاي وباي وميرسي…) هي المفردات (الشيك) التي ينبغي أن نتداولها!.

هؤلاء المتشدقون لا يدركون أن تحولهم إلى لغة المستعمرين هو نتاج طبائعٍ مستوردة مسبوغة بالخضوع والذل السياسي منذ عهود الاحتلال الإنجليزي والفرنسي والتركي، وامتدّ أثره عبر ثقافة غربية مستوردة فرضتها وسائل الإعلام ومناهج التعليم ومتنفذين موالين للغرب، أو أنهم يَعمَدون لهذا ويريدون به أن يعيبوا اللغة العربية وتهجينها لغاية في نفس يعقوب، إلا أن في ذلك تضليلاً يُخفي وراءه تهميش لغتنا القومية القويمة، وكأن إنجليزية العَصْر وليدة بضعُة قرون من الزمن، هجينة المنشأ والتي لا تَسِمُها متانة أصول ولا ثبوت قواعد وغير ذات نسق، غدت أفضل من العربية التي تُناهز في عمرها ثلاثة آلاف عام دون أن تشوبها شائبة دوناً عن كافة لغات العالم.

ومع تنامي هذا التيار وازدياد تأثيره، لا يسعنا إلا أن نتساءل: هل سمحنا لأنفسنا بأن نصبح المغلوبين، فننتقص ونتنكر للغتنا وهويتنا التي هي جزء من ذاتنا العربية وأصالتها وقيمنا، ويزداد ألمنا حين نعلم أن سبب ذلك يعود في المقام الأول إلى إهمالنا لذاتنا وقوميتنا العربية وإلى استهانتنا بديننا وثقافتنا التي ارتبطت بها، فتغافلنا عن أن البعد عن العربية لا يُعَدُّ مجرد ترفٍ لغوي، بل عقوقٌ لدينٍ وعراقةٍ وقوميةٍ لا تضاهيها الحضاراتُ مُجتمعة.

نحن لا نُنكر على الناس تعلّم اللغات الأجنبية، بل نُشجع عليه، وندرك أن الإلمام بلغات العصر ضرورة في عالم منفتح، كما جاء عن الإمام مالك رحمه الله بقوله: “سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها، ولكن سوّغوها للحاجة، وكرهوها لغير الحاجة، ولحفظ شعائر الإسلام.”

إنما مكمن الألم، ومبعث الحفيظة، أن اللغة العربية تُهان على أرضها، في الوقت الذي تُقدّس فيه لغات أخرى في مجتمعاتها، بل ويُفرض تعلّمها على كل وافد إليها. اختبر أن تعيش في فرنسا أو ألمانيا أو اليابان دون إتقان لغتهم، فلن تُفتح لك أبواب التعليم أو العمل أو حتى الإقامة، لأنهم يُدركون أن اللغة ركيزة الهوية، وأساس الانتماء.

خذ فرنسا مثالاً، فقد مارست وما تزال استعماراً لغوياً ممنهج، عبر ما يُعرف بالفرانكفونية، رافق جيوشها السياسية والثقافية، وغذّته بالمؤتمرات والجوائز والدعم الإعلامي، لتُصدّر لغتها للعالم وتحتفظ بهيبتها الثقافية.

وفي المقابل، ما الذي نفعله نحن في أوطاننا؟!، لا يُشترط على المقيم أن يتعلم العربية، ولا يُلزم العامل أو الموظف أو حتى المدرّس بإتقان الحد الأدنى منها. في بعض دول الخليج والمغرب العربي، يعيش الملايين من غير العرب دون أدنى التزام لغوي، بل وتُقدَّم لهم الخدمات بلغاتهم الأصلية، بينما يُتَجاهل العربي إذا تحدث بلغته!

أليس من الطبيعي أن تُشترط اللغة العربية، ولو بمستوى بسيط، على كل وافد يعيش في دولنا، أليس من المنطقي أن تفرض الجامعات والمعاهد والمدارس، على الأقل، نسبً من التعليم بالعربية، حتى في التخصصات الأجنبية.

اللغة ليست أداة تواصل فحسب، بل جدار السيادة، وسياج الهوية، ومفتاح للولاء والانتماء. إذا فرّطنا فيها، فرّطنا في كل ما تمثّله، وإذا حافظنا عليها، أبقينا جذورنا ضاربة في الأرض، مهما هبّت علينا رياح التغريب.

نحن في أوطاننا نرحب بكل من يقصدنا، ونمدّ يد الضيافة دائماً وأبداً، فهذا من شيمنا وسجايانا وأخلاقنا العربية الأصيلة ولكن، هذا الانفتاح لا ينبغي أن يكون على حساب أحد أهم مكونات هويتنا وثقافتنا، ألا وهي اللغة العربية، التي بفقدانها نفقد شيئاً من ذواتنا، وربما من ديننا، فاللغة ليست أداة تواصل فحسب، بل وعاء حضاري وهوية جامعة.

كما نلتزم بقوانين وثقافة البلدان التي نزورها أو نقيم فيها، فمن البديهي أن يبادلنا ويُظهر المقيمون والزوار لبلادنا الاحترام المتبادل ذاته لعاداتنا ولغتنا، لا سيما وأنها لغة رسمية، ودينية، وتاريخية، ولها مكانة رفيعة في وجدان العرب والمسلمين.
إن التراجع المتزايد في استخدام اللغة العربية داخل بعض مؤسساتنا ومرافقنا العامة والخاصة، يشكّل خطراً حقيقياً على استمرارية هذه اللغة في حياتنا اليومية، خاصة مع هيمنة اللغات الأجنبية على بعض قطاعات التعليم والعمل والخدمات. ومن هنا، تأتي الحاجة المُلحّة لاتخاذ خطوات عملية وجادة لحماية لغتنا.

وأبرز ما يمكن اقتراحه لتطبيقه مثالاً، ربط عقود العمل للأجانب بشهادة تثبت إلمامهم بأساسيات اللغة العربية، وإبقاء تأشيرة العمل والإقامة مؤقتة حتى اتمامها، ومنح فرصة تدريب لغوي خلال الأشهر الستة الأولى من التعاقد، على أن يتم تثبيت العقود بعد التأكد من اجتياز الموظف للمتطلبات اللغوية، وإلزام لجان التفتيش التابعة للوزارات بالتحدث مع الموظفين بالعربية للتأكد من الالتزام، ومعاقبة الجهات التي لا تلتزم بهذه الشروط، وكذلك إعطاء الأولوية لتوظيف المواطنين العرب المؤهلين، بما يعزز الانتماء والهوية، ويرسّخ اللغة والثقافة في بيئة العمل.

إن حفظ اللغة العربية ليس مسؤولية فردية، بل هو واجب جماعي، يبدأ من السياسات الحكومية، ويمتد إلى الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام. فحماية اللغة ليست مجرد حماية لوسيلة نطق، بل هي حماية لروح الأمة ولسان دينها وذاكرة حضارتها.

وبالموازاة، لا يمكن إغفال مسؤولية الجهات الحكومية الرسمية في هذا الشأن، على سبيل المثال البنوك المركزية، الذي يُفترض أن تكون أحد أعمدة السياسات الوطنية، ومنها السياسة اللغوية، فليس من المفهوم أو المقبول أن تظل معظم المعاملات البنكية تُقدَّم للمواطن بلغة أجنبية، في دولة اللغة العربية هي لغتها الرسمية، فالمواطن يتقدّم لفتح حساب، أو للحصول على قرض أو بطاقة ائتمان، فتُقدَّم له مستندات مطبوعة بالكامل باللغة الإنجليزية، يوقّع عليها دون أن يدرك مضمونها القانوني والمالي الكامل، حتى وإن كان ملمًّا بالإنجليزية، فالمصطلحات المستخدمة متخصصة ومعقدة.

فلماذا لا يُلزم البنك المركزي البنوك والمؤسسات المالية باعتماد اللغة العربية كلغة أساسية ووحيدة في المستندات الرسمية، أو على الأقل أن تتوفّر ترجمة قانونية دقيقة بجانب النسخة الأجنبية، احتراماً للمواطن وحقه في الفهم الكامل قبل التوقيع.

ولا يتوقف الأمر عند المعاملات الورقية، بل يتعداها إلى المنصات الإلكترونية، إذ نجد أن كثيراً من مواقع البنوك لا تقدم خياراً للغة العربية، أو تكتفي بترجمة سطحية لا تتناسب مع طبيعة الخدمات المقدمة.

ويتكرر الأمر في قطاع الإعلام، حيث تغيب اللغة العربية الفصحى في برامج إذاعية وتلفزيونية كثيرة، ويُستبدل بها خليط من الكلمات الأجنبية تحت دعوى “العصرية والمرونة”، فنسمع مذيعاً “متأنكلز” يبدأ حديثه بكلمة عربية يتبعها بسيل من الإنجليزية، وكأن البريطاني والأميركي هم من مستمعيهم، لا بل تظهر بعض الشخصيات الرسمية أو العامة في مقابلاتهم، يتحدثون بلغة أجنبية، رغم أنهم في دول عربية، موجهين الخطاب إلى جمهور عربي.

هذه ليست “حداثة” ولا “مرونة لغوية”، بل سطحية وهروب من الهوية، تُضعف انتماء الأجيال، وتُظهرنا أمام العالم في صورة من يتنكر لأصله، ولا يثق في لسانه.

فكيف نطالب العالم باحترامنا، إن كنا نحن أول من يفرّط في احترام لغتنا؟!

ويُطلّ الخطر الأكبر من بوابة التعليم، حيث باتت اللغة العربية مُغيّبة تدريجياً عن المناهج وأحاديث قاعات التدريس، خاصة في المدارس الخاصة، التي باتت تعلي اللغات الأجنبية بينما تُهمّش لغة الوطن والقومية والدين والتاريخ، حيث بات الطالب الذي يتخرّج غير قادر على كتابة موضوع بسيط بالعربية، في الوقت الذي يبرع في التعبير والكتابة بالإنجليزية أو الفرنسية وغيرها.

وهذا ليس ترفاً لغوياً، بل أزمة حقيقية، تؤكدها الدراسة الصادرة عن الوزارات والمنظمات التعليمية، التي بيّنت أن اللغة العربية هي أضعف المواد تحصيلاً بين الطلاب، رغم أنها المادة التي تُفترض أن تكون الأقوى والأقرب.

وقد صدق الإمام ابن تيمية حين قال: “معلومٌ أنّ تعلمَ العربية وتعليمَ العربية فرضٌ على الكفاية، وكان السّلف يؤدّبون أولادهم على الّلحن، فنحن مأمورون أمرَ إيجابٍ أو أمرَ استحبابٍ أن نحفظ القانون العربي، ونُصلح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنّة، والاقتداء بالعرب في خطابها، فلو تُرك الّناس على لحنهم كان نقصاً وعيباً.”

اللغة العربية ليست مجرد أداة تواصل، بل هي الوعاء الذي يحمل ديننا وتراثنا، وهي لغة الوحي، والقرآن الكريم، ولا يتم فهم الدين ولا نصوصه دون إتقانها، وتقع المسؤولية في ذلك على وزارات التعليم أولاً، التي تضع المناهج وتراقب مستوى الأداء، ثم على أولياء الأمور ثانياً، الذين يُقبل كثير منهم على تسجيل أبنائهم في مدارس أجنبية لا تولي العربية أي اهتمام، بل يعتبر بعضهم اللغة العربية لغة دونية أو متخلفة وقاصرة، والعكس صحيح، متناسين أنها فرض وواجب ديني وثقافي قبل أن تكون مجرد مادة تعليمية.

لماذا هذا التجاهل الممنهج؟، هل أصبحت اللغة العربية عارً أو نقيصة؟، هل أمسى من المُعيب أن نتحدث بها أو نكتب بها أو نفاخر بها؟

إننا نعيش مفارقة مخجلة، فنحن نتقن لغات الآخرين ونتنكّر للغتنا، نُلزم أنفسنا بتعلّم لغات الغرب، ولا نُلزم غيرنا بتعلّم لغتنا على أرضنا!، وإن لم نتحرّك اليوم لحماية لغتنا، فغداً سنبكي على أبنائنا وهم يُخاطبوننا بلغة غريبة، ويتعاملون مع تراثهم كما لو كان من ثقافة أجنبية لا تَمُتُ لهم.

اللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي البصمة التي تحدد هوية الإنسان، وتؤثر في شخصيته وسلوكه وتفكيره، فمن يفاخرون باستخدام اللغات الأجنبية في غير موضع حاجة، في حقيقة الأمر يُعانون في أعماقهم من هشاشة في الثقة وخلل في الانتماء، تماماً كما الغراب الذي أراد أن يقلّد مشية الطاووس، فلا أصبح طاووساً، ولا حافظ على مشيته الأصلية، فضاع بين الهوية والتقليد.

وقد سبقنا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله: “إياكم ورطانة الأعاجم”، محذراً من التماهي مع لغات وثقافات الأجنبي على حساب أصالة اللسان العربي.

المفارقة المؤلمة أن الغرب ذاته، الذي يسعى اليوم لفرض لغته وثقافته، يدرك تماماً أثر اللغة على الفكر والشخصية، وقد أظهر عالم اللغويات الغربي (روبرت بينيكوك) في أبحاثه أقام فيه الدليل الحسي الاجتماعي على الرغبة الغربية المقصودة في “عولمة” الانجليزية، استلاباً لعقول الناشئة، وصرفاً لهم عن الدلالات العميقة التي تحملها لغاتهم الأم، وأن اللغة ليست عنصر محايدة، بل يتم تسخيره بوعي لتوجيه العقول وتشكيل التصورات، بل واستلاب الهوية الثقافية خاصة في المجتمعات المستضعفة لغوياً.

إن الحديث بلغة غير العربية لا يُستنكر إن دعت الحاجة إليه، وقد خاطب النبي ﷺ غير العرب بلغاتهم، لكن ما يجري اليوم هو غزو ثقافي مقصود، واستلاب طوعي، جعلنا نتنازل عن لغتنا أمام من يرفضون أصلاً أن يُبادلونا المِثل، ويرون أن لغتهم معيار حضاري بينما لغتنا محلية لا تصلح إلا للتراث، ولا مناص من تأثير اللغة في طبع مُتكلمها وتَطبُعه بثقافتها، وهذا خطر متنامي لضياع الهوية بعد بضعة أجيال.

فاللغة ليست كلمات فقط، بل حاضنة للقيم، والمفاهيم، والمرجعيات، فإن استبدلناها، فقد استبدلنا معها وعينا، وتاريخنا، وانتماءنا.

أبناء العرب لا يجيدون العربية، ولا يفهمون كتاب الله، بينما يُتقنون لغات أخرى وكأنها لغاتهم الأم، وهنا المفارقة الوجيعة، فنحن صرنا من “الأعاجم” في بيوتنا ومدارسنا، رغم أن العربية هي التي ميزتنا على العالمين، وهي التي لا تصح عبادتنا بدونها.
لسنا نطالب بأن يكون كل واحد منّا “سيبويه”، بل فقط أن نُجيد التحدّث والقراءة والكتابة بلغة ديننا، حتى نُمرر هذا الإرث لأبنائنا دون انقطاع.، فلو تقاعس كل جيل عن هذه المسؤولية، لتقطعت الحبائل والسند اللغوي يوماً بعد يوم، حتى يأتي وقت نحتاج فيه لترجمة العربية لأحفادنا لكي نستطيع مخاطبتهم!

إن ما يحدث ليس فقط تهلكة لغوياً، بل كارثة حضارية تتهدد الوجود العربي والإسلامي كله، فاللغة ليست وعاء للهوية فقط، بل هي الوسيلة الأوحد لفهم الدين، وتفسير التاريخ، وصناعة المستقبل.

اسمائنا العربية ليس مجرد لقب يُطلق على الإنسان، بل هو جزء من هويته، ومن تاريخه، ومن شخصيته، والأسماء العربية كانت ولا تزال تحمل معاني الشرف، والعزة، والإيمان، والكرامة، والرفعة، ولكننا اليوم نشهد آسفين هناك من يستبدل “زينب” بـ”جيسيكا”، و”خالد” بـ”ريان”، و”فاطمة” بـ”لانا”، لا لشيء إلا لأنهم يرون أن ذلك أرقى أو أكثر تحضراً، وكأن الرقي يُقاس بلغات الغير، لا بأصالة الجذور، قال الإمام الشافعي رحمه الله: “كرهتُ للرجل العربي أو المسلم أن يُسمي بغير أسماء العرب، وأن يتكلم الأعجمية وهو يقدر على العربية.”

ليس في هذا تشددً أو تعصبً، بل حفظ للهوية، وإجلال لما جعله الله مباركً، فاسمك هويتك، لا بل إن بعض الأسماء التي تُختار من لغات أجنبية قد تكون ذات معانٍ غير لائقة، أو مرتبطة بأديان أخرى، أو رموز شِركية، وقد لا يعرف الوالدان عنها شيئاً، فقط أعجِبوا بها أو انتشارها بين المشاهير.

ها نحن نتتبع سنن الغرب حتى في الأسماء، والهيئات، واللغات، والثقافات، دون تفكّر، ولا فحص، ولا حفظ للهوية والدين.

أن تجد نفسك في بلد عربي، تتحدث بلغتك الأم، ثم لا تُفهم، أو تُجابَه بلغة أجنبية من موظف في جهة حكومية أو خاصة فهذه ليست مجرد مشكلة لسان، بل هي علامة على خلل عميق في منظومة الهوية والانتماء، فكيف يُعقل أن تكون اللغة الأجنبية هي الأساس في خدمة المواطنين العرب في أرضهم، كيف تقبل الوزارات والمؤسسات أن تُكتب أسماء المحال التجارية الأجنبية كما هي، دون تعريب حقيقي فتترجم بنفس اللفظ الإنكليزي لتكون كالذي فسر الماءَ بالماءِ وبعضها يحمل أسماء آلهة وذات صفات شِركية، وبالمقابل يُشترط على المواطن العربي استخدام لغة إنكليزية قانونية كثيرة المصطلحات في معاملاته، وكيف تسمح بعض الجهات الرقابية بأن تُعرض مواد غذائية وأدوية ومستحضرات دون أي توضيح بالعربية، وهي تُستهلَك من أطفال وأمهات وشيوخ لا يتقنون الإنكليزية، لا بل حتى لوحات السيارات، والمستندات الحكومية الرسمية، لم تَسْلم من هذا التوجه، فأصبحت الحروف اللاتينية معيارً للتصنيف والتمييز، وكأن الحرف العربي لا يفي بالغرض!

وهذه الحالة ليست حيادية بتاتاً لأنها انعكاس لحالة الانهزام الداخلي والتبعية الثقافية التي استقرت دون مقاومة، حتى صار المواطن يشعر أن من يتحدث بالعربية وكأنه متخلف، بينما الراقي هو من يتحدث بلغات أجنبية.

يجب أن تكون الإنكليزية أو أي لغة أخرى هي خيار اضافي، وليست الأساس، فاللغة الأجنبية يجب أن تكون أداة مساعدة للتقدم والتطوير، لا أداة إقصاء للغة الأم، ولا بوابة للتفاخر الفارغ على حساب الانتماء، ولعلَّ حركة الترجمة والعلوم والثقافة التي سادت لقرون خلال الحضارة العربية الإسلامية في العصرين الأموي والعباسي، خير دليل على فعالية اللغة العربية في التعليم ونشر الثقافة والعلوم على مختلف أطيافها، ولا تزال هذه المؤلفات بالعربية وتراجمها المراجع الأساسية في معظم دول العالم الغربي في العلوم المتقدمة في الرياضيات والطب والجغرافيا والكيمياء وغيرها.

مما يثير الدهشة والسخرية الممزوجة بالأسى هو هذا التهافت على اللغات الأجنبية في أبسط تفاصيل الإنتاج الإعلامي والفني، فترى أغانٍ عربية تنتهي بأسماء مطربين ومخرجين ومصورين مكتوبة بالإنكليزية، في وهم أن ذلك رقيّ أو تسويق عالمي، بينما الحقيقة أن لا أحد في الغرب يعلم عنه شيءً لا من قريب ولا من بعيد ولا يقيمون له بالاً ولا بأغانيه.

اللغة الأجنبية تُغلف المنتج العربي من الخارج، بينما الداخل بات أجوف لغوياً وثقافياً.

هذا ليس خطأ المؤسسات فقط، بل مسؤولية المجتمع أيضاً، فنحن من نُطيل عُمر هذه الظاهرة بِصمتنا أو بِمُجاراتنا لها، مسؤوليتنا نحن العامة الذين نعيش على أرض دولنا العربية، علينا أن نقوم بحملة ضد هذه الظاهرة، وهي بسيطة ولكن بالتأكيد ستعطي فعالية كبيرة وستغير أسلوب حياتنا، فلو أن كل متصل عربي مع أي شركة أو بنك أو جهة حكومية كانت أم خاصة، عند مخاطبة أي موظف معه بلغة غير العربية رفض التحدث إلا بالعربية، ورفض توقيع أي وثيقة بغير العربية، لاضطرت تلك الشركات لتوظيف أشخاص يتكلمون العربية، تخيل كم من الشركات، والبنوك، والدوائر الرسمية ستُجبَر على مراجعة سياساتها إذا واجهت مئات وآلاف من المواطنين الغيورين على لغتهم يصرون على العربية كل يوم، فالتغيير يبدأ من أنفسنا نحن لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فأن لم نبدأ بأنفسنا لن نتقدم أبداً. فنحن الآن نقتل اللغة العربية في بلاد العرب المسلمين بإشاعتنا اللغات الأجنبية وتفضيلها في كافة مجالات حياتنا.

بقلم سام تاج الدين

Leave a Reply

Note: Comments on the web site reflect the views of their authors, and not necessarily the views of the bookyourtravel internet portal. You are requested to refrain from insults, swearing and vulgar expression. We reserve the right to delete any comment without notice or explanations.

Your email address will not be published. Required fields are signed with *

© 1995- 2025 Sam Travel & Events

Translate »